الطاهر بن أحمد … المايسترو الخالد
يعتبر الطاهر بن أحمد الذي غادرنا ليلة الاثنين، “مايسترو” الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني (1958-1962) الأيقونة الحية للجزائر الثائرة، الجزائر التي فجرت أعظم ثورة في تاريخ الإنسانية بعد أكثر من قرن وما يربو عن العشرين عاما من الاستعمار.
كان الطاهر بن أحمد (1930 – 2024) من أوائل الفنانين الذين لبّوا نداء جبهة التحرير الوطني في شهر نوفمبر 1957، وشارك بن أحمد في تفعيل مسعى الفرقة الفنية التي كانت رداً قوياً من الجزائر المكافحة على المزاعم الفرنسية، وبرهنت على عظمة الأمة الجزائرية، فتأسست الفرقة الفنية الوطنية في مارس 1958 بتونس تحت إشراف الفنان “مصطفى كاتب” (08 جويلية 1920 – 28 أكتوبر 1989).
ومن نتاج هذه المرحلة الخالدة في تاريخ المسرح الجزائري، تحوّل الفن إلى بندقية، وكان الطاهر بن أحمد قائد جوق الفرقة الفنية التي أنتجت مسرحية “نحو النور” التي نقلت لوحات من كفاح الشعب، قبل أن يتم إنتاج “أبناء القصبة”، “الخالدون” و”دم الأحرار”.
وقُسّمت الفرقة إلى: قسم للممثلين، وآخر للمغنين، ونُصّب “كاتب” مديراً وكان ذلك في 18 أفريل 1958، ولبى النداء فنانون من عالمي التمثيل والموسيقى، وجاءوا من فرنسا، المغرب، تونس وسويسرا، ووصل عددهم إلى أربعين في موعد “الباردو” بتونس، لتبدأ مسيرة فنية نضالية أعقبت تدريبات دامت ستة أشهر كاملة من أجل فن تحرري موشّى برسائل القضية العادلة.
الأعمال
نحو النور: أول عرض كان في 24 ماي 1958 بالمسرح البلدي لمدينة تونس، نص “عبد الحليم رايس” وإخراج “مصطفى كاتب”، هذه الأوبيرات عبارة عن لوحة فنية ضخمة أبرزت شابا فدائيا (سيد علي كويرات) يتلقى تعذيبا شرسا بعد القبض عليه من طرف المحتل، فيغمى عليه وتظهر امرأة تدعوه إلى القيام بجولة يرى فيها ذكرياته وأسفاره وأشعاره، لكن شدة ألمه ترجعه الى الواقع.
جاب العمل دولا عربية وأجنبية مثل “يوغسلافيا”، “الصين”، “الاتحاد السوفياتي “(سابقا)، فضلا عن مصر والعراق وليبيا.
“مونصيرا”: أول عرض في 29 جوان 1958 عبر جولة في التراب التونسي قبل التنقل إلى ليبيا ثم يوغسلافيا السابقة في جولة دامت عشرين يوما وامتدت إلى ما صار يعرف اليوم بجمهوريات البوسنة، كرواتيا وصربيا.
أبناء القصبة: أول عرض في 6 جانفي 1959 من تأليف عبد الحليم رايس وإخراج “مصطفى كاتب”، حكت عن الكفاح الجزائري داخل المدن، وقدّمت هذه المسرحية التي استلهمت من الواقع الجزائري، في تونس وعلى الحدود وكان ذلك على شرف ألفي جندي كانوا سيعبرون خط موريس، وخلال العرض طلب مصطفى كاتب من القائد العسكري أن يُفرغ الجنود بنادقهم من الرصاص خوفا من ردّات فعلهم تجاه بعض المشاهد كمشهد الاغتصاب.
الخالدون: أول عرض في 12 أفريل 1960 بمسرح تونس البلدي، عن نص “عبد الحليم رايس” وإخراج “مصطفى كاتب”، لم تركّز فقط على تضحيات جيل الثورة واستحضار مسار الثورة في المدن، بل كشفت بعدا إنسانيا هاما جدا عبر علاقة الحب بين “حورية” و”محمد الصادق” أثناء الإعداد مع رفيقهما “سامي” لاغتيال قائد فرنسي في حي شعبي بالجزائر العاصمة، وفي لحظة مفصلية للعملية الفدائية؛ تحوّل الحب إلى قربان وطني غال وصادق فقط من أجل الجزائر.
عُرض العمل في بكين بدعوة من “اللجنة الصينية للصداقة والتضامن مع الشعوب الإفريقية”، وفي الخامس ماي من العام ذاته وصلت الفرقة إلى الاتحاد السوفيتي سابقا، كما قُدّمت في المسرح الشهير “مولي تياتر”.
دم الأحرار: عُرضت لأوّل مرة بتاريخ 29 ديسمبر 1961 في مسرح تونس البلدي دائما، عن نص “عبد الحليم رايس” وإخراج “مصطفى كاتب”، ثم سافرت في شهري جوان وجويلية إلى المغرب والعراق، ودارت أحداث “دم الأحرار” في الجبل داخل معقل مجموعة من الثوار، ورسّخت قناعة الاستمرارية الثورية إلى غاية نيل الاستقلال.
الأعضاء:
مصطفى كاتب/مدير الفرقة
بوعلام رايس (عبد الحليم رايس)/ مؤلف مسرحي للفرقة
محمد بوزيدي/شاعر وممثل
التيجاني دريشي (أحمد وهبي)/ مغن وملحن
عبد الحميد جلواحي (عبد الحميد النمري)/ ممثل
محمد زينات/ممثل
حمو سعداوي/ممثل
محمد حمدي/ ممثل
حسني العربي (احسيسن)/ مغن
علي خليفي (فريد خليفي) / مغن
مسعود قدوح (بولعوينات)/ موسيقي
بوعلام الدهماني (الشيخ الدهماني) / موسيقي
علي دباح (اعليلو) / موسيقي
العباس الشيخ (محمد اخليفي) / موسيقي
محمد بن يحيى / موسيقي
بوعلام منصر / موسيقي
مهدي عبد الرحمن / موسيقي
يوسف عليوش (يوسف البجاوي) / مغنٍ وموسيقي
يوسف سليمي (يوسف شوكوكو) / مغنٍ وموسيقي
علي العياشي (سيد علي كميسار) / تقني
أحمد حرب/ تقني
محمد كواسي/ مصوّر
يحيى بن مبروك (لابرانتي) / ممثل
بلاحة الحاج (وفية بلعربي) / ممثلة
مليكة براهيمي / ممثلة
عبد الرحمن بسطانجي (طه العامري) / ممثل
سيد علي كويرات/ ممثل
أحمد حليت/ ممثل
إبراهيم دري/ ممثل
محمد سواغ/ ممثل
حسني بلحاج/ ممثل
الطاهر خليفة/ ممثل
جعفر دمارجي/ ممثل
حليمة رزقاوي/ ممثلة
صافية قواسي/ مصممة أزياء
الزهرة بن إبراهيم (هندة) / ممثلة وكوريغرافية
“مصطفى سحنون” مؤلف وملحن ورئيس الجوق
“فريد علي” ممثل
عبد القادر شروق (جعفر بك) / ممثل
الطاهر ثامر (طاهر بن أحمد) / مغن
سعيد سايح/ مغن
أحسن فارس (احسيسن) / موسيقي
مصطفى تومي / شاعر
عبد اللاوي مجيد (عبد العزيز بودية) / موسيقي
الهادي بوليفة (الهادي رجب) / مغن
نورية قصدرلي
عائشة عجوري (كلثوم)
فطومة بوعماري
بوعلام سحنون/ سائق
نص الشهادة التي أدلى بها الطاهر بن أحمد في جانفي 2017:
“أعيد بيتاً شعرياً قاله لي جندي رحمه الله: “سجّل يا تاريخ لمعاركنا واكتب للبنين ذكرى للأباة، واشهدوا عنا يا جبالنا مدى عَدّينا من الصعوبات”
ما لبّينا إلاّ نداء الوطن الجزائر، والواجب لا يستوجب الشكر أو الفخر.. أذكر يوم كنّا فيه في البوسنة، لم نكن نعرف أنّ سكانها من المسلمين وتمت دعوة كلّ واحد إلى بيت من البيوت البوسنية، أمّا أنا ومصطفى سحنون فدُعينا إلى مدرسة، وقالت المدرسة لطلبتها: “أنظروا إلى مؤيّدي الجزائر”، بعدها جلس مصطفى سحنون إلى البيانو وبدأت في غناء “جزائرنا” وتأثرت أيماّ تأثر ببكاء وتأثّر البوسنيات بالأغنية إلى درجة أنّني بكيت أنا أيضا، فالسلاح الفني يؤلم أكثر من الرصاص لأنّه يصل إلى العقل والوجدان.
لقد مكثنا 45 يوما في الصين و45 يوما في موسكو وضواحيها، ومسؤوليتي ومسؤولية جميع من كان في الفرقة كانت إظهار أنّ الجزائري له ثقافة، مهذب وليس “فلاقة”، حتى في بغداد لم يكونوا يعرفون أنّ الجزائري أبيض البشرة ولغته العربية ودينه الإسلام، أمّا في الصين فقد كانت معنا مترجمة صينية تتكلّم العربية، ومترجم صيني يتكلّم الفرنسية والليلة التي وصلنا فيها إلى بكين كان معنا فرحات عباس ومحمّد الصديق بن يحيى، وعزفت الفرقة الصينية “قم ترى” وأنا غنيت لهم أغنية بالصينية.
انخراطي في الفرقة كان واجباً وفخراً، والبداية كانت من فرنسا، حيث كنت أغني في مقهى ومن أهم ما كنت أغني: “متنساوش هذي المحنة من عند الله جات
يا فاهم البيات ناس الجزائر في غبينة قوموا يا سادات
يا خواتي كونوا رجال وتفكروا لي في الجبال
سبلوا ومشاو للقتال مجاهدين أحرار وشجعان كبار
قامت رجال في الجزائر ضد الاستعمار”
أذكر أنّ صاحب المقهى وشى بي إلى الشرطة التي أتت، وضربني أحدهم ضربة أطارت العود من يدي، بالمقابل جاءني مسؤول من الجبهة وقدّم لي 500 فرنك فرنسي وقال لي غداً تكون في بروكسل ولا تخبر أحداً بذلك، فعندما التقيت بأصحابي من الفنانين، عليلو واحسيسن، أخبرتهم أنّ لي جولة في بروكسل وعليّ الرحيل، الطريف في الأمر أنّنا التقينا جميعا في بروكسل بدون أن يخبر أحدنا الآخر بالأمر الذي تلقيناه، وسافرنا إلى بون حيث قدّم لنا مسؤول آخر جوازات سفر تونسية مزوّرة، وعندما وصلنا إلى مدينة باليرمو قبضت علينا الشرطة الإيطالية حيث أنّها شككّت في كوننا غير تونسيين، وأرادت تسليمنا إلى السفينة الحربية الفرنسية التي كانت قابعة بالمنطقة، والحمد لله اتّصل مصطفى كاتب رئيس الفرقة بمسؤول جزائري اتّصل بدوره بالرئيس التونسي بورقيبة الذي حذّر الإيطاليين من الإساءة إلينا، وهكذا انتقلنا إلى فيلا “باردو” بتونس، حيث كانت تنتظرنا التدريبات الفنية لمدّة ستة أشهر، فكنا نطبخ لأنفسنا كنّا بحق جنودا مدنيين، أنا أخذت مكان احسيسن الذي توفي مبكرا وكان من أهمّ مطربي الشعبي وغنّت معنا وردة عندما قمنا بجولة إلى مصر.
لم يكن هناك نساء إلى أن جاءت وافية وهندة زوجة طه العامري ومليكة زوجة سيد علي كويرات وخواسي الخيّاطة، وفي تونس عند عرض مسرحية “أبناء القصبة” رمت امرأة بنفسها من الشرفة لهول القضية”.
رابـــح هوادف