وتسبّب حريق غامض أتى على مكتبة المعهد الثرية وتجهيزاته، في إرغام الإدارة على مواصلة التكوين بحي الكثبان المحاذي، قبل إغلاق المعهد كليا بقرار وزاري عام 1993.

وفي 23 جوان 1995، جرى تعيين المرحوم أمقران حفناوي مديراً جديداً للمعهد الوطني للفنون الدرامية (استعاد تسميته القديمة)، والتحق في التاسع ديسمبر من العام ذاته، 19 طالباً في تخصصي التمثيل والنقد المسرحي، بعد نجاحهم في مسابقة الانتقاء.

وجرى الاتكاء اعتباراً من سنة 1995 على برنامج بيداغوجي قارّ توافقت عليه وزارتا الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي، ونصّ على مسار دراسي يستمر خمس سنوات ويتوج بشهادة الدراسات العليا في الفنون المسرحية

وبإشراف طاقم جزائري مطعّم بوجوه روسية مصرية وعراقية، على رأسهم الأساتذة قدسي؛ صاولي؛ ناتاشا؛ خولة؛ إضافة إلى الأكاديميين الجزائريين: مالك العقون؛ عمر معيوف؛ بوجمعة بومباجي؛ إبراهيم نوال؛ مخلوف بوكروح؛ أحمد خودي؛ الهادي بوكرش؛ حبيب بوخليفة؛ فوزية عكاك؛ عبد الحميد بلفروني؛ محمد شريف مريبعي؛ عبد القادر هني وغيرهم.

وتضمن البرنامج عدة مقاييس نظرية وتطبيقية مثل: فن الممثل، الموسيقى، الإلقاء، نظرية الدراما، مدارس الإخراج، تاريخ المسرح، تاريخ الفن، علم الجمال، فلسفة الفن، السينوغرافيا، الكوريغرافيا، التصوير، الرقص المعاصر، ناهيك عن ورشات أسبوعية في السينما، المبارزة والإعلام الآلي.

وتدعّم المعهد عاماً من بعد بتخصص السينوغرافيا بتأطير السينوغرافي عبد الرحمن زعبوبي؛ والكوريغرافيا بتأطير الأستاذة نور الدين قدور ، اسماعيل دحماني، ونوارة ادامي، كما تواصل تكوين الطلبة في دفعات التمثيل والإخراج والنقد إلى غاية سنة 2004 .

وبموجب المرسوم التنفيذي 04ـ 98 المؤرخ في الفاتح أكتوبر 2004؛ تحولت تسمية المعهد إلى المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري، إثر قرار خليدة تومي وزيرة الثقافة آنذاك، بجدوى استنساخ تجربة معهد فنون العرض في بروكسل وجرى إقحام شعب جديدة متمثلة في: مساعد إخراج، سكريبت، التركيب والتقاط الصورة.

وبعد مساع حثيثة ومن أجل الاستجابة لمتطلبات سوق العمل، جرى تبني نظام الألمدي LMD  بداية من الموسم الجامعي  2015-2016، بالتنسيق مع  وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وصار المعهد يقع تحت مسؤولية وزارة التعليم العالي من حيث البرامج البيداغوجية، ووصاية وزارة الثقافة من حيث التسيير والمالية.

وفي مستهل الموسم الدراسي 2019 – 2020؛ وافقت وزارة التعليم العالي والبحث العملي على مشروعي تكوين في مستوى الماستر، اختصا بالإخراج المسرحي وإدارة التصوير، وهي خطوة نوعية تسعى إدارة المعهد إلى تدعيمها بالمزيد من الخطوات في مجال دراسات ما بعد التدرج على نطاقي الماستر والدكتوراه، حتى يمر المعهد إلى نسق أعلى يمكنه من تعزيز منظومة البحث في سائر الحقول الفنية؛ كما يتيح أيضا تكثيف التكوين وكسب رهان النوعية؛ وتغطية العجز على مستوى التأطير .

بقلم: أ. رابح هوادف

البداية كانت من ساحل سيدي فرج غربي الجزائر العاصمة، أين جرى تأسيس المعهد الوطني للفنون الدرامية والإيقاعية على يد الراحل مصطفى كاتب (1920 ـ 1989) أيام كان مديراً للمسرح الوطني الجزائري، وجسّد كاتب الخطوة في الرابع أكتوبر 1964 رفقة مديره الفني الفقيد محمد بودية، بهدف كبير: تكوين ممثلين مسرحيين.

وجرى افتتاح المعهد بواسطة كفاءات  محلية وأوروبية ومشرقية هامة جداً، وبإشراف عام للمخرج الفرنسي هنري كوردرو ومساعدة مواطنه جان ماري بوقلان، والمصري سعيد زهران بالتنسيق مع مصطفى كاتب، وتمّ تبني المنهج الفرنسي في التكوين، وهو واقع ظلّ قائماً إلى غاية ثمانينات القرن الماضي.

عام 1965، جرى نقل مقر المعهد إلى مدينة برج الكيفان، وجرى استبدال تسمية المعهد الوطني للفنون الدرامية والايقاعية؛ بالمعهد الوطني للفنون الدرامية، الذي تخرّجت منه أول دفعة ضمّت: محمد آدار، أحمد بن عيسى، زياني شريف عياد، سعيد بن سالمة، زهير بوزرار، عبد العزيز قردة، بوعلام بناني، محمد سلال، محمد قرفي؛ رابح لشعة وغيرهم.

في سنة 1968، وبشكل متسارع جرى تغيير تسمية المعهد الوطني للفنون الدرامية، إلى المعهد الوطني للتنشيط الثقافي والرقص الكوريغرافي، وتمّ استقدام التقني الروسي نيكولاي ساشا، إضافة إلى المصمم البلغاري جورج أبرانشاف ومواطنته لودميلا رانسكوفا، فضلاً عن مرافقين فرنسيين على آلة البيانو، لتكوين منشطين وراقصين جرى إشراكهم في إحياء المهرجان الثقافي الإفريقي الذي احتضنته الجزائر في صيف عام 1969.

وغداة صدور الأمر الرئاسي رقم 40. 70 المؤرخ في 12 جوان 1970، كأول نص قانوني ينظم سير المؤسسة ويوجهها؛ جرى تغيير التسمية إلى المعهد الوطني للفنون الدرامية والكوريغرافيا.

وتبعًا للأمر المذكور، تولّت ادارة المعهد التسيير المالي والإداري للمؤسسة؛ بعدما ظلّت تابعة للمسرح الوطني الجزائري الذي كان يسيّر كافة شؤون المعهد المالية والقانونية .

وفي المرحلة ما بين 1970 و1974، جرى الانتقال إلى تكوين الممثلين والراقصين والموسيقيين، وهي فترة شهدت تدعيم طاقم التدريس في المعهد بالفنان المصري الراحل كرم مطاوع ومواطنيه ألفريد فرج وسعد أردش، لكن شهادات موثّقة تشير إلى أنّ التكوين كان محدوداً، بيد أنّه سمح بتخريج فنانين تركوا بصماتهم لاحقاً أمثال: جمال مرير، حميد رماس، مصطفى عياد، ودليلة حليلو.

الحاصل أنّه اعتباراً من سنة 1974 وإلى غاية عام 1985، تخلى معهد برج الكيفان عن تكوين الممثلين، واكتفى بإعداد دفعات من المنشطين الثقافيين، بما أثّر على حضور المعهد مهنياً.

وبموجب اتفاقية تعاون بين الجزائر وكوريا الجنوبية، جرى افتتاح ملحقة متخصصة في فن السيرك بوهران عام 1989، وكانت هذه الملحقة تابعة لمعهد برج الكيفان، تماماً مثل ملحقة باتنة، لكن كلا الملحقتين توقفتا بعد أقل من سنتين، رغم نجاحهما في تكوين العشرات من الممثلين وفناني السيرك.

وبموجب المرسوم التنفيذي رقم 91ـ 315 المؤرخ في السابع سبتمبر 1991، تحوّل اسم المعهد إلى المعهد الوطني العالي للفنون الدرامية، وحددت له فروع التكوين التالية: التمثيل، الإخراج ، السينوغرافيا والكوريغرافيا،  وحصل هذا التحوّل بعد إضراب طويل شنّه طلبة التمثيل للحصول على شهادة ليسانس في التمثيل بدل شهادة الكفاءة المهنية التي كانت تُمنح في السابق.