تكريم مائز للفنانة حميدة آيت الحاج في المسرح الوطني
حُظيت الفنانة حميدة آيت الحاج، ليلة الجمعة إلى السبت، 06 أفريل 2024، بتكريم مائز في قلعة المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشتارزي، في سنّة متجدّدة أحيتها الجمعية الفنية والثقافية للألفية الثالثة بمساهمة المسرح الوطني والديوان الوطني لحقوق التأليف والحقوق المجاورة.
في أجواء احتفالية عطّرها حضور عدّة أسماء فنية، وصفت حميدة آيت الحاج هذا التكريم بـ “الالتفاتة الطيبة تجاه الفن الرابع والإبداع المسرحي”، كما اعتبرته “لحظة نادرة اجتمعت فيها الأسرة الفنية لاسترجاع ذكريات تعجّ بالجمال والفن”، مبرزةً أنها تستحضر أسماء فنية كبيرة رافقت مسيرتها في عالم الإخراج المسرحي وشجعتها في بدايتها باعتبارها من الأسماء الإخراجية النسوية الجزائرية التي اقتحمت عالم الإخراج المسرحي مبكراً.
وبالعودة إلى مسار حميدة آيت الحاج، فإنّ الأمر يتعلق بفنانة مخضرمة زاوجت بين الإخراج والكتابة المسرحية، وتعتبر حميدة من أبرز التجارب الإخراجية النسائية في المسرح الجزائري.
وُلدت حميدة مع اندلاع الثورة الجزائرية في الفاتح نوفمبر 1954، لم تولد في حالة طبيعية، كانت حالة نضال وقلق، أهلها كانوا يشاركون في النضال بالجزائر العاصمة، أمها كانت أمية ووالدها كان شاعراً باللغة الأمازيغية وبالدارجة الجزائرية.
أرسلتها والدتها إلى مدرسة الأخوات الكاثوليكيات، حيث درست فيها حتى الاستقلال، ومع الاستقلال، صارت تقرأ وتتعلم كل أسبوع ساعة باللغة العربية.
وبدأت حميدة المسرح وعمرها ثلاث سنوات، مثّلت وهي برعمة في قاعة ابن خلدون بالعاصمة، ثم مثّلت في المسرح المدرسي، واستلهمت حميدة الكثير من حكايات والدها الخرافية، الذي كان يتمتع بصوت جميل وهو يحكي لها كل ليلة من ليالي الشتاء حكايات عديدة.
امتلكت حميدة منذ نعومة أظافرها ثقافة فرنسية في المدرسة، وثقافة أمازيغية وعربية مع الحكايات التي كان يرويها والدها ليلاً على وقع اشتعال الفحم في الموقد، مما جعل حميدة ترسم وتخطّط بلغة فرنسية، تبكي بالأمازيغية وتحبّ بالعربية الدارجة.
نالت بكالوريا علوم بمعدل جيد 1973، وأصرّ والداها على أن تدرس الطب وتكون دكتورة، لكنها رفضت وأقبلت على دراسة الفلسفة وعلم النفس، وكانت تحضّر نفسها للمسرح، وذهبت سنة 1974 إلى باريس لتستكمل دراستها في علم النفس وتخرجت عام 1979، ومن باريس ذهبت إلى الاتحاد السوفيتي السابق، حيث درست الاخراج المسرحي والسينمائي لمدة ست سنوات في المعهد العالي للمسرح والسينما بـ “كييف” توّجتها عام 1985 بنيل ماستر وبمعدل ممتاز.
وتأثرت حميدة آيت الحاج بأسماء روسية كبيرة أمثال “لوميبوف”، “باستانوغاف” و”أندريوف”، في مرحلة اتسمت بلمعان السينما السوفيتية في أرض “ستانيسلافسكي”.
لدى عودتها إلى الوطن الأمّ في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، لم تشأ حميدة أن تقدّم مسرحاً مقلّدا للمسرح السوفيتي، وفضّلت أن يكون مسرحها جزائريا، فكانت مسرحيتها الأولى “أغنية الغابة” بصيغة “أوكرانية” في سن الـ 28، واتكأت حميدة على نص “الرغبة” لــ “تنيسي وليامز”، في بحث مشكلة جزائرية عن موقف الرجل العربي المتشدد ضد المرأة الجزائرية.
وقدّمت حميدة لاحقا “يوميات مجنون” عن “غوغول” مع عز الدين مجوبي، ولم يكن المجنون مجنوناً “سوفيتياً” بل مجنوناً “جزائرياً”، وغداة هجرتها إلى فرنسا بفعل ظروف الإرهاب، واصلت حميدة مسيرتها بتقديم سلسلة عروض تناولت عمق الثقافة الجزائرية الغنية بأبعادها العربية والإسلامية والأمازيغية.
أبدعت حميدة في إخراج مسرحية “خنجر في الشمس” (1996) عن نص الفرانكو جزائري “جان سيناك”، وفاز العرض بجائزتي أحسن مسرحية وأفضل موسيقى في باريس، ثمّ قدّمت مسرحية “الغنيمة” (1997) حول قانون الأسرة وحقوق المرأة في الجزائر، وعُرض هذا العمل في إنجلترا وإيطاليا والدانمارك وأستراليا، وحصل على جائزة في “سيدني”.
قدّمت حميدة آيت الحاج العشرات من الأعمال، أبرزها: “مجسمات” بـ “كييف” (1980)، أغنية الغابة بالمسرح الوطني الجزائري (1987)، “8 قصص لتشيخوف” (1989)، “حصار ستان” (1992)، “الفراشة” (2000)، “بقرة اليتامى” (2001)، “سوق النساء” (2004)، “النهر المحوّل” (2007)، “فاطمة” (2008)، “الخامسة” (2010)، “وصية العربي بن مهيدي” (2012)، “ماسينيسا” (2015) وعدّة أعمال أخرى.
وكان لحميدة آيت الحاج حضور في التلفزيون من خلال إخراج فيلم “ترامواي الرغبة” (1993)، وإنتاج ست حصص للأطفال سنة 1994، فضلاً عن السينما من خلال إسهامها في فيلم “أبواب الصمت” لعمار العسكري (1987)، الفيلم الجزائري الأوزبكي “مملكة الآلهة” (1992)، “المفتش لوب” عن رواية ياسمينة خضرة (2010)، و”ماشاهو” لبلقاسم حجاج (1994)، كما شاركت في فيلم “العائلة” للمخرج مرزاق علواش.
وخاضت حميدة في عالم الكتابة وخصوصا الاقتباس في عدة أعمال أبرزها: “8 قصص لتشيخوف” (1989)، “حصار ستان” (1992)، “خنجر في الشمس” (1996)، “الغنيمة” (1997)، “الفراشة” (2000)، “الهول” (2001)، و”الوصية” (2012).
ظلّت آيت الحاج تدرّس في المعهد العالي للفنون المسرحية منذ سنة 1985، كما اشتغلت كأستاذة بجامعة باريس، وتخصّصت في الدراسات النسوية برسم موسم 1995 – 1996، وبعد تكليفها بحزمة مسؤوليات في باريس، عادت لتدير دار الثقافة في بجاية إبان موسم 2006 – 2007، بالتزامن مع تدريسها في قسم اللغات الأجنبية ببجاية.
افتكت حميدة آيت الحاج عشرات التتويجات، منها: الجائزة الثالثة لفن الحكي في “كييف” (1983)، جائزة أحسن تصوّر إخراجي شباني بـ “كييف” (1984)، جائزة أفضل تصميم سينوغرافي بـ “كييف” (1985)، جائزة لجنة التحكيم عن “خنجر في الشمس” في مهرجان “السوربون” (1997)، جائزة أفضل مسرحية مغاربية (2000)، الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني الثاني للمسرح المحترف عن “النهر المحوّل” (2007)، جائزة أفضل عرض في مهرجان المسرح التجريبي بالأردن (2008)، وجائزة أفضل إخراج في مهرجان المسرح الأمازيغي بباتنة، عن مسرحية “ماسينيسا” (2015).
وكان لحميدة آيت الحاج حضور في عدّة لجان تحكيم مسرحية وسينمائية، ولا تزال حاضرة في المشهدين التكويني والإبداعي.
عطاءات وعرفان
شهد الحفل أيضاً تكريم الفنان عمر فطموش والمطرب حميد مجاهد عرفاناً بمسيرتهما وبأعمالهما الفنية ومساهمتهما في إثراء الساحة الفنية الجزائرية.
واعتبر رئيس الجمعية سيد علي بن سالم أنّ هذا التكريم “بمثابة تقدير للفنانين الذين ساهموا على مدار أزيد من نصف قرن على الارتقاء بالمسرح تمثيلاً وإخراجاً وكتابة، فضلاً عن الأغنية الجزائرية الأصيلة، مشيداً بالتاريخ المشرّف والحافل بالأعمال.
وأعرب عمر فطموش عن سعادته لهذه الالتفاتة التي تعدّ وقفة عرفان وتكريم لأجيال فنية عديدة ساهمت في الحفاظ على الثقافة والفن الرابع الجزائري، مضيفاً أنّ لهذا التكريم طعم خاص على خشبة المسرح الوطني الجزائري محي الدين بشتارزي الذي شهد مرور عمالقة ومؤسسة المسرح الجزائري.
من جانبه، ثمّن الملحن الفنان حميد مجاهد المعروف بأداء الأغنية القبائلية، التكريم واعتبره سانحة جمعته بالكثير من الأصدقاء الذين تقاسم معهم العمل الفني لأكثر من أربعة عقود، متذكّراً بكثير من الحنين أسماء فنية كبيرة عرفها خلال مسيرته.
ويعتبر عمر فطموش من أبرز مسرحيي جيله، وبعد أن أنهى دراساته الأساسية في مسقط رأسه التحق بجامعة الجزائر، حيث حصل على درجة الماجستير في الأدب الفرنسي، أنشأ جمعية لتشجيع مواهب مسرح الهواة عام 1976، ليؤسّس بعدها التعاونية المسرحية “السنجاب” سنة 1990، قبل أن يتمّ انتخابه عام 1998 أميناً عاماً للشبكة الجزائرية للمعهد الدولي لمسرح البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تقلّده العديد من المناصب الفنية وعضويته لجان تحكيم مهرجانات وطنية ومتوسطية وعربية.
بحوزة فطموش عدّة نصوص مسرحية على غرار: “اتهمونا”، “ستة ودامة”، “حرف بحرف”، “حزام الغولة”، “رجال يا حلالف”، “عويشة والحراز”، “عالم البعوش”، “فاطمة نسومر”، “النهر المحوّل”، “صحا لارتيست” وغيرها.
بدوره، يعد الملحن والفنان حميد مجاهد من أهمّ الموسيقيين والمؤدّين الذين قدموا الكثير لإثراء الأغنية القبائلية… ولع منذ طفولته بمختلف طبوع الأغنية الجزائرية على غرار أغنية الشعبي والمنوعات، كما عاصر كبار الفنانين الجزائريين ضمنهم كمال حمادي الذي استضافه سنة 1967 في حصة إذاعية بالقناة الثانية، واكتشف حمادي موهبته وحرص على صقلها بالتكوين والممارسة، وأشرف حميد مجاهد لسنوات طويلة على حصة “فناني الغد”، حيث ساهم في اكتشاف العديد من الأصوات الفنية في مجال الأغنية القبائلية، وظلّ بمثابة مدرسة فنية قائمة بذاتها.
وشهد الحفل تقديم كوكبة مجموعة من المطربين باقة غنائية منوّعة الطبوع، بينهم راضية عدة، حكيم العنقيس، طارق عياد، بور نسيم، عبد الرحمن القبي على إيقاع نغمات عاصمية لفرقة الزرنة.