سيراط بومدين … كاريزما الأداء التمثيلي
يعدّ الممثل المسرحي الراحل سيراط بومدين نموذجاً لـ “كاريزما الأداء التمثيلي”، ورغم رحيل سيراط منذ 28 سنة، لا يزال ابن الباهية وهران يُلهم الكثيرين ممن تأثروا بعطاءات سيراط مسرحياً وتلفزياً وسينمائياً.
سيراط الذي امتلك فيوضاً من القدرة على جذب الجماهير، ابتكر طريقة فريدة في تقمص الشخصيات التي لا تزال راسخة في أذهان هواة الفن الرابع منها الدرويش في “القراب والصالحين” لولد عبد الرحمان كاكي وجلول الفهايمي في “الأجواد” لعبد القادر علولة و”البلعوط” لبوعلام حجوطي وأخرى في السلسلتين المشهورتين “عايش بالهفّ” و “شعيب لخديم”.
وبعدما أبصر النور بوهران عام 1947، حلّق “ديدن” عالياً في سماء الفن، ويشدّد معاصروه على أنّ سيراط كان يمثّل بعقله وقلبه لجلب الجمهور لمتابعة صولاته فوق الركح أو حركاته أمام الشاشة مما جعل أداءه التمثيلي تجربة فنية مميزة انجذب لها كوكبة من الممثلين الشباب الذين شاهدوا أعماله عبر مواقع الإنترنت بعدما فاتتهم فرصة مشاهدتها فوق خشبة المسرح.
وتحمل الشخصيات التي أداها هذا النجم في المسرح الجزائري نزعة تمثيلية ليست في متناول الجميع أثرت في العديد من الممثلين الشباب سواء الذين تلقوا تكويناً أكاديمياً في الجامعة أو العصاميين.
ويشير الممثل والمخرج المسرحي، زينو بن حمو، إلى أنّ “سيراط اجتهد في صناعة شخصيات فنية جعلها تتحرك وتصول وتجول فوق الركح بفضل أداءه القوي البعيد عن إيقاعات المسرح الكلاسيكي”.
من جهته، يرى الممثل المسرحي، عماد براهيمي، العضو بفرقة مسرح الشارع التابعة لمسرح علولة الجهوي، أنّ سيراط تميز بكاريزما في الأداء المسرحي خاصة في لون الفكاهة السوداء، حيث استطاع أن يحقق نجاحات باهرة سواء في المسرح العمومي أو مسرح القلعة التابع للقطاع الخاص بفضل هذا الحماس الكبير في التمثيل الذي أهله لأن يكون بطلاً في المدرسة الواقعية النفسية في الأداء التمثيلي.
ويعدّ الفقيد مدرسة في فن “القوّال” وله طاقة كبيرة في الارتجال وفي نبرة صوته القوية، ما جعله قوي الحضور في دور “جلول الفهايمي” ضمن مسرحية الأجواد على الرغم من أنّها شخصية متعبة جدا لكنها كانت ممتعة.
ويعلّق بن حمو: “استلهمت عدة عناصر من هذه الشخصية التي ساعدتني في تجسيد الدور الذي أديته في العمل المسرحي عطيل الغيّار” لسمير بوعناني”.
وعلاوة على موهبته الفنية، فإنّ عفوية سيراط بومدين في التمثيل جعلته “ظاهرة فنية لا تتكرر”، على حد تعبير المخرج المسرحي عبد الكريم فارس ، الأمين العام للجمعية الثقافية “قطار الفن” بوهران و الذي اعتمد كثيرا على تجربة هذا الفنان في انجاز مسرحية “الخيش والخياشة” التي تحصلت على عدّة جوائز داخل وخارج الوطن.
ويشير المسرحي محمد الأمين بن محمد إلى أنّ من أهمّ عوامل نجاح سيراط، خفّة روحه ومرحه واعتماده على تعابير الوجه في أداء الدور أهلّه لأن يكون له حضوراً كبيراً سواء فوق الخشبة أو أمام الشاشة، حيث أنه كان يعطي بعداً لشخصياته ولا يخرج من الدور الذي جسده بعد سنتين من الأداء وكان يتقمصها بكل سماتها وخصائصها ومميزاتها.
وكانت لعروض سيراط بومدين نكهة خاصة في الأداء التمثيلي مما جعله مميزاً عند كثير من الشباب الذين يمارسون المسرح أو السينما والذين يقتفون آثار أعماله وأداءه الذي يجب أن تدرّس في مناهج التدريس الأكاديمي الجامعي، طالما أنّ التكوين هو قوة تطوير الفن الرابع في الجزائر.
وتكريماً لأثر الرجل المتميّز، نظّمت الجمعية الثقافية “الآمال” لوهران من 12 إلى 20 أوت الجاري، “الأيام المسرحية لسيراط بومدين” التي تتضمن سلسلة عروض، فضلاً عن تخرج الدفعة الـ 33 من مدرسة التكوين التابعة للجمعية المذكورة.